[b]ضياء الشمس ونور القمر
لقد فرق العزيز الحكيم في الآية الكريمة (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا)[يونس:5]، بين أشعة الشمس والقمر، فسمى الأولى ضياء والثانية نوراً، وإذا نحن فكرنا في استشارة قاموس عصري لما وجدنا جوابا شافيا للفرق بين الضوء الذي هو أصل الضياء والنور، ولوجدنا أن تعريف الضوء هو النور الذي تدرك به حاسة البصر المواد.
وإذا بحثنا عن معنى النور لوجدنا أن النور أصله من نار ينور نورا أي أضاء، فأكثر القواميس لا تفرق بين الضوء والنور، بل تعتبرهما مرادفين لمعنى واحد، ولكن الخالق سبحانه وتعالى فرق بينهما فهل يوجد سبب علمي لذلك؟
دعنا نستعرض بعض الآيات الأخرى التي تذكر أشعة الشمس والقمر، فمثلاً في الآيتين التاليتين ( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا) [ نوح: 16] (وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا)[ النبأ: 12-13] نجد أن الله سبحانه وتعالى شبه الشمس مرة بالسراج وأخرى بالسراج الوهاج والسراج هو المصباح الذي يضيء إما بالزيت أو بالكهرباء.
أما أشعة القمر فقد أعاد الخالق تسميتها بالنور وإذا نحن تذكرنا في هذا الصدد معلوماتنا في الفيزياء المدرسية لوجدنا أن مصادر الضوء تقسم عادة إلى نوعين: مصادر مباشرة كالشمس والنجوم والمصباح والشمعة وغيرها، ومصادر غير مباشرة كالقمر والكواكب، والأخيرة هي الأجسام التي تستمد نورها من مصدر آخر مثل الشمس ثم تعكسه علينا، أما الشمس والمصباح فهما يشتركان في خاصية واحدة وهي أنهما يعتبران مصدرا مباشرا للضوء، ولذلك شبه الخالق الشمس بالمصباح الوهاج ولم يشبه القمر في أي من الآيات بمصباح، كذلك سمى ما تصدره الشمس من أشعة ضوءا، أما القمر فلا يشترك معهما في هذه الصفة، فالقمر مصدر غير مباشر للضوء، فهو يعكس ضوء الشمس إلينا فنراه ونرى أشعته التي سماها العليم الحكيم نورا..
ومن العجيب حقا أننا لم نستوعب هذه الدقة الإلهية في التفرقة بين ضوء الشمس ونور القمر، فكان من المفترض أن نفرق بين الضوء والنور ونسمي الأشعة التي تأتي من مصدر ضوئي مباشر بالضوء وتلك التي تأتي من مصدر ضوئي غير مباشر بالنور، ولكننا خلطنا لغويا بين الضوء والنور، واقتصرنا في العلوم على استخدام كلمة الضوء ونسينا مرادفها وهو النور والسبب واضح، ففي الإنجليزية والفرنسية بل والألمانية- وهي اللغات التي جاءت عن طريقها العلوم الحديثة- لا يوجد إلا مرادف واحد لهذا المعنى وهو بالترتيب ولم يخطر ببالنا أو ببال المترجمين أن اللغة العربية أغنى وأدق ففيها مرادفان لهذه الكلمة يجب أن نفرق بينهما تبعا لنوعية مصدر الضوء سواء أكان مباشراً أو غير مباشر.[/b]