الأسطــورة - المهندس - صقر الكتائب - المُطَارِد رقم 1
السيرة الكاملة لحياة
الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش (أبو البراء)
" يحيى عياش الرجل المعنى في زمن تساقطت فيه المعاني عن كثير من الرجال ، الطيف العصى الذي لا يُرى بسهولة ، يحيى عياش اليدان اللتان تتقنان صنع الحرائق لتشرق الشمس بلا كآبة على الذرى الفلسطينية ، العينان اللتان تصادقان الليل فـي البحث عن ممر إلى ثغور الغزاة ..
الكوفية التي تتشابه خيوطها مع ندوب الأرض المقدسة ، يحيى عياش نجم فلسطيني احترق وهوى كعباءة منسوجة بورق الزيتون ووجهه مقبل على الصلاة كحدود الشهادة "
القلب الصغير الذي يحمله الشاب الهادىء الوادع يتسع كل فلسطين بأرضها وسمائها وبحرها وأقصاها وأهلها ، كان يعتقد دوماً أنه خُلق لأجلهم ، لأجل عزهم ، لأجل مستقبلهم .
كان الدم المسلم الفلسطيني نازفاً بغزارة الحقد اليهودي يغطي أرض (الحرم الإبراهيمي) في الخامس عشر من رمضان المبارك لتشتعل بهذه الدماء قلوب المسلمين ، فيما القلب الصغير تحوّل إلى نار وبارود ولهيب يلفح من ذبحوا شعبه على مرأى ومسمع العالم الظالم ، وأقسم أن يكون هو الرد ، هو القدر النافذ الذي يوقف زحف الغطرسة الصهيونية والاستعلاء الإسرائيلي، كان حينها المهندس مطلوباً لقوات الاحتـــلال بسبب انتمائه إلى (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وقد أدرج على قائمة المطلوبين لأول مرة في نوفمبر سنة 1992م إثر اكتشاف السيارة المفخخة في رمات إفعال) .
وفي السادس عشر من أبريل سنة 1993م وفي مفترق (محولا) في الغور نفذ هجوم انتحاري بمحاذاة حافلة ركاب إسرائيلية قتل شخص واصيب تسعة آخرون ، وفي أغسطس 1993 بتوجيه من (المهنس) نفذ (علي عاصي ومحمد عثمان) هجوماً نحو موقع للجيش الإسرائيلي قرب مفرق كفر بلوط أسفر عن مقتل جنديين ، وفي يناير 1994م ، توجه مع (علي عاصي) يحمل عبوة ناسفة محكمة ووضعها في ميدان رمايه للجيش الإسرائيلي في منطقة رأس العين ، وانفجرت العبوة واصيب جنديان بجروح خطيرة ، وانطلق الشهيد (ساهر تمام) في سيارته المفخخة التي أعدها (المهندس) لتنفجر بجوار باص إسرائيلي يقل جنود من جيش الاحتلال ، وقد أُصيب ثلاثين جندياً بجراح ، ثم انطلق الشيهد الشيخ (سليمان) بسيارته المفخخة وبجوار باص ينفجر حيث قتل شخصان وأصيب ثمانية بجراح . لكن الولادة الحقيقية (للمهندس) وعملياته التدميرية لكيان يهود كانت رصاصات (باروخ جولدشتاين) وهي تنفجر في رؤوس الساجدين لله تبارك وتعالى في الحرم الإبراهيمي (الشريف).
ففي الذكرى الأربعين للمجزرة وبالتحديد في السادس من نيسان 1994م كان الاستشهادي (رائد زكارنة يقل حقيبة (المهندس) وينطلق بها تجاه (العفولة) ، وفي حافلة ركاب كان (رائد زكارنة) يتفجر ويمزق معه ثمانية من الأجساد اليهودية ليشربوا من نفس الكأس الذي زرعوه ويمسح (رائد والمهندس) دمعة أولى عن وجنة فلسطين الغالية ، فيما قسم يحيى للثأر مازال ساري المفعول .
وبعد أقل من أسبوع ، وفي الثالث عشر من نفس الشهر وفي (الخضيرة) ينفجر (عمار عمارنة) لتسقط خمس جثث أخرى في استمرار لمدرسة (المهندس) التي أفتتحها .
وفي مواجهة المهندس وعملياته التدميرية لكيان إسرائيل المجرم يكبر الهم الإسرائيلي ويعجل الجيش الانسحاب بالفرار من غزة أولاً مع بداية شهر مايو 1994م ، وبعد أقل من شهر على عمليتي (العفولة والخضيرة) ، وبعد أشهر من المماطلة والتعنت الإسرائيلي ، وتنشأ إثر ذلك حالة من الرعب الهستيري ، فشبح (المهندس) وحقائبه تطارد كل إسرائيلي في كل مكان ليلعن اليهود (باروخ جولدشتاين) ، ورغم ذلك فمسيرة التفجير لم تكتمل ، ففي التاسع عشر من تشرين أول من نفس العام انطلق صالح نزال إلى شارع (ديزنغوف) في (تل أبيب) وهو يحمل حقيبة (المهندس) لينفجر وتهوي معه جثث اثنين وعشرين يهودياً ، يهرول (رابين) قاطعاً رحلته الخارجية ويعلن عداءه الشخصي مع (المهندس) ، ويواجه (أبو البراء) دولة (شعب وجيش وحكومة) فحاصرهم جميعاً وغدا شبحاً يطاردهم وكابوساً يؤرق أحلامهم ومستقبلاً قاتماً يغترف في قلوبهم الرعب ويقذف صدور قوم مؤمنين ، ألم يكن يتسع قلب المهندس لكل آلام الشعب الفلسطيني ؟؟ ، هذا بالإضافة إلى إطلاق (المهندس) نيرانه وقتل مستوطن وإصابة اثنين بجراح ، إضافة إلى قتل جندي إسرائيلي بطلق واحد .
ونتيجة الملاحقة المكثفة لشبح (المهندس) واعتقال كل من شاهد أو سمع أو علم به ، يضيق الخناق حوله خاصة بعد استشهاد رفيقيه (علي عاصي وبشار العامودي) ، وينقل (المهندس) مركز نشاطه إلى قطاع غزة ، ونجاح (أبو البراء) في الوصول إلى غزة يُعد بحد ذاته ضربة قاسية للكيان الصهيوني .
وفي الخامس والعشرين من كانون الأول 1994م يتقدم (أيمن راضي) من خانيونس يحمل حقيبة الرعب ويفجر نفسه قرب حافلة جنود بالقرب من (مباني الأمة) في (القدس) ليقتل شخصاً ويصيب ثلاثة عشر آخرين بجراح .
وفي التاسع من نيسان 1995م تنفجر سيارة (عماد أبو أمونة) قرب (نتساريم) في قطاع غزة ثأراً لدماء (كمال كحيــل) وإخوانه .
وفي الخامس والعشرين من حزيران 1995م تنفجر عربة (معاوية روقة) قرب حافلتي جنود في غزة .
وفي الرابع والعشرين من تموز 1995م تنفجر الحافلة الإسرائيلية في (رمات جان) تقتل ستة اسرائيليين وتجرح خمساً وثلاثيييين آخرين ، ويعلن تلاميذ يحيى عياش المسئولية ، فيما (ايجال عامير) يرقب اسحق رابين رئيس الوزراء ليقتله كردة فعل لهذه الضربات الموجعة .
وفي الحادي والعشرين من آب 1995م ينفجر الشهيد (سفيان جبارين) في الحافلة المزدوجة في مستوطنة (رمات اشكول) في القدس لتقتل خمسة وتصيب ما يزيد عن مائة آخرين ، ويؤكد (تلاميذ يحيى عياش) مسئوليتهم ليصل مجموع ما قتل بيد (المهندس) وتلاميذه إلى ست
وسبعين اسرائيلياً وجرح ما يزيد عن أربعمائة آخرين ، وهذا رقم قياسي لم ينازع (المهندس) فيه أحد، ليغدو (المهندس) شجرة باسقة الظلال ومدرسة يأوي إليها النماذج الفريــدة من المجاهدين ذوي الهمم العالية .
كان قلب (أبي البراء) الذي وسع كل فلسطين هادىء البال قرير العين ، فقد مسح دمع الثكالى والأرامل والأيتام وجفف جرح كل المصابين .
فيما الملاحقة الهوجاء (للمهندس) مستمرة على أشدها ، فتحاصر قريته ويداهم بيته باستمرار ويقطع عن (رافات) موقع الغرس الكهرباء ويمنع رصف شوارعها ، ويعتقل شقيقـــاه ووالده ووالدته
(الحاجة عائشة) يسألونها عن البطل المسافر كيف نشأ في أحشائها ... كيف كبر حتى صار بحجم الوطن ، يسألونها عن مكانه ، يحيى في كل مكان ... يحيى في كل زمان ... يحيى قنبلة فلسطين التي تحرق كل من مّس كرامتها .. أنين أمه يصله عبر الأثير ليصنع منه فتيل قنبلة أخرى وآهات والده الكهل الذي فقد حاسة السمع (بشكل مؤقت) نتيجة ضربه على يد الجنود الذين يبحثون عن (المهندس) يرحل إليه ونداء أشقائه (مرعي ويونس) من خلف زنازين القمع يصنع منها قنابل يفجر بها أياديهم التي صبغت بلون دمنا المراق على بوابات الوطن المغصوب ... ليغدو (يحيى) شمساً تشرق كل صباح وفجر كل فلسطين ونور كل حر ثائر ، وليل كل ظالم فاجر يغدو شبحاً وهاجساً يطارد الإسرائيليين وأسطورة للفلسطينيين نظموا بشأنها القصائد والأشعار والأنغام ، وهاتفته قلوبهم وأرواحهم بالاستمرار ، " جهز يا عياش لي شيئاً ، يرفعني من أرض الدنيا .. لجنان الفردوس الأعلي ، جهز يا عياش لي عبوة توقظني من غفلة قومي ، لأعيش حياة أبدية " . وتطور الحقد في قلب (رابين) شخصياً ليرى (شبح المهندس) عدواً خاصاً ، فيما يراه (أبو البراء) بذات العين ، ويعتبر نفسه في صراع مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (رابين) والذي اغتيل في الرابع من نوفمبر 1995 .
وقد أكد المحللون اليهود القريبون من (رابين) أن (شبح عياش) خيم على حياة (اسحق رابين) الذي وظف جيشه وأجهزة أمنه وأموالاً طائلة لمطاردة المطلوب رقم واحد ، ولكن (عياش) يفلح في الإفلات من الذراع الطويل للجيش الإسرائيلي ولجهاز (الشاباك) ، وقام بالتخطيط في أخطر مراحل المطاردة لهجمات وتشكيل خلايا مع أن مطلوبين عديدين من الذين عملوا في محيطه القريب قتلوا أو اعتقلوا ، ورغم الوحدات الخاصة التي لاحقته والكمائن في القدس والضفة وغزة في الجبال والكهوف ومخيمات اللاجئين والبيوت المهجورة .
وقد لقب رئيس الحكومة الإسرائيلية (اسحق رابين) (يحيى عياش) (بالمهندس) وأطلق عليه هذا اللقب في احدى جلسات المداولة بين (رابين) وقادته أمنه للبحث في قضية (عياش) وسبل الوصول إليه ، وقد أبدى رابين (كما صرح جدعون عزرا رئيس جهاز الشاباك الأسبق) اهتماماً بكفاءات وقدرات (عياش) ، وأخذ يضفي عليه لقب (المهندس) بعد أن علم ما يمتلكه (المهندس) من إمكانيات ، وقد كان (رابين) يبدأ كل جلسات الحكومة ومجلسه المصغر ومجلس الأمن بالسؤال عن (المهندس) ، وقد صرح (رابين) بهذا اللقب للصحافة أكثر من مرة حتى غدا المقاتل الفلسطيني الفذ أسطورة ملحمية خالدة وشبحاً رهيباً يطارد اسرائيل ، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يختاره جميع الخبراء اليهود والأجانب (كرجل العام 1995) حيث أثر على إسرائيل وحياتها ومستقبلها أكثر مما أثر رابين وحكومته وجيشه ، وقد بثت الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي العديد من البرامج حول هذا الشبح الأسطورة وهذه أجزاء من ترجمة حرفية لبرنامج بثه التلفزيون عن المهندس في الخامس والعشرين من يناير 1995م .
وقد تحاور في البرنامج أربعة من الخبراء والمستشرقين الصهاينة المتخصصين وهم الدكتور (ماتي شتاينبرغ) ، والدكتور (إبراهيم سيلع) من الجامعة العبرية ، شمعون رومح (من قادة جهاز الشاباك السابقين) والصحفي اللامع ايهود يعاري المتخصص في الشئون العربية ، حيث أمطر الصحفي المخضرم (مشعل) مقدم البرنامج ضيوفه بسيل من الأسئلة تمحورت على كيفية عمل (المهندس) ؟ من الذي يوجهه ؟ من يختار الاستشهاديين ؟ لماذا لم تفلح أجهزة الأمن في القبض عليه ؟
وبادرهم مشعل بالقول : " المطلوب يحيى عياش في سباق مع الزمن ، فمسلسل الهجمات العنيفة التي نفذها جعلت منه هدفاً رئيسياً ذا أولوية أولى لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك) الذي درس شخصيته وتركيبته الفسيولوجية بعناية في محاولة للعثور على نقطة ضعف واحدة تقود إلى إلقاء القبض عليه ".
(ايهود يعاري) اعتبر " أن لكل مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني رموزها وأنه مثلما شكل (عماد عقل) (رمز العمل العسكري) في حركة (حماس) ، فإن (يحيى عياش) يمثل (رمز العمل العسكري الإنتحاري) " ، فيما عبر (شمعون رومح) عن إعجابه بالقول : " إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطراً للإعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه ، وعلى روح مبادرة عالية ، وقدرة على البقاء ، وتجديد النشاط دون انقطاع " .
وكان رأي (د. سيلع ود. شتاينبرغ) : " أن المشكلة في البيئة العقائدية الأصولية التي يتنفس (المهندس) من رئتها هي التي تبدع وتفرز ظاهرة المهندس ، وظاهرة الرجال المستعدين للموت في سبيل عقيدتهم " ، وكما هو الحال بالنسبة لكل شخصية أسطورية فإن الهوس الإسرائيلي ينسب له عجائب عدة ، فهو صاحب هويات مختلفة وله حضور في كل مكان يتواجد في (مصر وإيران وليبيا والسودان ، وفي خانيونس وغزة ، رام الله ، قلقيلية ، جنين ، القدس ، تل أبيب) حتى في منزله (برافات) ، وهو متنكر بزي يهودي متدين وأحياناً (كمستوطن) مسلح ببندقية ، وأنه يتجول بشخصية دبلوماسية في تل أبيب ، ويقود سيارة ذات لوحات تسجيل إسرائيلية ، وأنه يتنكر بهيئة امرأة ، وبهيئة شيخ مسلم ، فقد شارك في جنازة الشهيد (كمال كحيل) بهذه الهيئة ولم يكن يعرفه أحد ، عياش يبدل هيئته يومياً ولا يبيت سوى ليلة واحدة في البيت الواحد .
وعند الفلسطينيين فهو مجاهد قدير يشبهونه (بصلاح الدين الأيوبي) أو (عز الدين القسام وأبو جهاد) ، ويتندرون بأنه (أبو جلدة) ذلك الرجل الذي نجح في الإفلات من البريطانيين لمدة عشر سنوات .
بلغ الهوس الإسرائيلي ذروته حين قال (رابين) : " أخشى أن يكون جالساً بيننا في الكنيست " ، هذا الهوس لم يطل رابين فحسب بل غدا كابوساً يتسلل إلى مضاجع الصهاينة ، فأكثر من 80% من سكان اسرائيل يخافون استخدام المواصلات العامة ، واشتكى أكثر من عشرين ألف اسرائيلي من أمراض نفسية نتجت عن عمليات التفجير ، وتشاجر يوماً جنديان ، فقال أحدهما للآخر : " إن شاء الله تقع في يد (المهندس) " .
وفي أحد البرامج التلفزيونية عن المهندس قال المذيع : " إنني أخشى أن يفجر المهندس هذا
الاستيديو أمام أعين المشاهدين "، وقد وقف علماء النفس حيارى أمام (ظاهرة المهندسلوجي) ، فلا يملكون لها وصفاً أو ادراجاً تحت أبواب العلم المعهودة ، فهل هو رجل حقاً بمفرده أم هي أمة تنكرت على هيئة رجل له عقل واع مستنير وأصابع ماهرة وقلب يطفح بالإيمان ، وكلما تحركت يداه جهز النازيون الجدد أكفانهم وأعدوا لسيول الدمع أجفانهم وبدأ العد التنازلي لوعد الآخرة . هذا الهــوس
الإسرائيلي أضفى على (المهندس) حالة من القداسة حتى أعظم قادة إسرائيل كانوا عند ذكره لا يخفون حالة الرعب والخوف .
(فاسحق رابين) رئيس الوزراء السابق يقول : " لا شك أن (المهندس) يمتلك قدرات خارقة لا يملكها غيره ، وإن استمرار وجوده طليقاً يمثل خطراً داهماً على أمن اسرائيل واستقرارها " .
أما (موشيه شاحل) وزير الأمن الداخلي السابق فيقول : " لا أستطيع أن اصف المهندس يحيى عياش إلا بالمعجزة ، فدولة اسرائيل بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حلاً لتهديداته " .
و(الجنرال أمنون شاحاك) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق فيقول : " إن اسرائيل ستواجه تهديداً استراتيجياً على وجودها إذا استمر ظهور أناس على شاكلة المهندس " .
بينما يقر (يعكوف بيرس) رئيس المخابرات الإسرائيلية سابقاً قائلا : " إنني أقر أن عدم القبض على المهندس يمثل أكبر فشل ميداني يواجه المخابرات منذ إنشاء دولة اسرائيل " .
فيما (جدعون عزرا) نائب رئيس المخابرات سابقاً يقول : " إن احتراف المهندس وقدرته تجلت في خبرته وقدرته على اعداد عبوات ناسفة من لا شيء " .
إن (عياش) غدا كالسحر تنشق الأرض وتبلعه صاحب أرواح سبعة ، إن مجرد ذكر اسم (يحيى عياش) كافياً لأن يرتعد الإسرائيليون وهم يستعيدون صدى الانفجارات الاستشهادية التي أحرقت وهم أمنهم على أرض فلسطين ، فمهندس الكهرباء الفلسطيني الذي لم تستطع وسائل الإعلام أن تحصل على أكثر من صورة واحدة له استطاع أن ينظم توجيه عدة ضربات موجعة في قلب مواقع قوات الجيش الإسرائيلي ، وأن يذهل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية برسائله المفخخة التي كانت تصل دوماً من عنوان جديد ، وقد فشلت كل المحاولات الإسرائيلية لاقتفاء أثره والوصول إليه برغم كل التدابير الأمنية ، فكان حقاً رمزاً للمقاتل ذي القلب الحديدي المؤمن بالله ، في ليالي الإسرائيليين شبحاً مرعباً قض مضاجعهم وزرع الرعب في ناقلاتهم .
هذا هو (يحيى عياش) في نظر الإسرائيليين أصعب من الوصف ، وأعقد من الخيال لا يُرى بالعين فيمسك ، ولا يُسمع بالإذن فُيرصد ، اختار الخيار الأصعب ، وقبل المواجهة الأخطر ، وقد ولد يحيى ونشأ في قرية (رافات) بين نابلس وقلقيلية لعائلة متدينة محافظة ، وقد رزق الله (الحاج عبد اللطيف) ابنه البكر (يحيى في) الثاني والعشرين من مارس من عام 1966 ، وقد كان يحيى معروفاً بذكائه الحاد وحفظه الدقيق ، وبدأ بحفظ القرآن منذ السادسة من عمره ، وكان الصمت والخجل والهدوء ميزات خاصة في يحيى ، وكأي فلسطيني كبر يحيى وكبر معه الألم الذي يعتري الأحرار ، كان يدرس في مدرسة القرية الإبتدائيــة ويقف واجماً في وسط الطريق يحملق في جرافات المستوطنين التي تسوي أراضي القرية وتلتهمها لتوسيع المستوطنة .
وقد واصل دراسته الإعدادية والثانوية وحصل في امتحان التوجيهي على معدل 92.8% في القسم العلمي ليلتحق (بجامعة بيرزيت) في قسم الهندسة الكهربائية (قسم الإلكترونيات) وكان يحب دراسة الكيمياء التي تبحر فيها ، وقد كان خلال دراسته أحد نشيطي (الكتلة الإسلامية) .
وبعد تخرجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفضت السلطات طلبه ، وقد عقب على ذلك (يعكوف بيرس) رئيس المخابرات آنذاك بالقول: " لو كنا نعلم أن (المهندس) سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً ، بالإضافة إلى مليون دولار " ، وتزوج بعد تخرجه من إبنة عمه ورزقه الله ولده البكر (البراء) فيما رزق بولده (يحيى) بتاريخ 24/12/1995م .
ولمّا انطلقت شرارة الانتفاضــة أول (أبو البراء) رسالة إلى (كتائب الشهيد عز الدين القسام) ، يوضح لهم فيها خطة لمجاهدة اليهود عبر العمليات الاستشهادية وأصبحت مهمة (يحيى عياش) إعداد السيارات المفخخة والعبوات شديدة الانفجار .
وطوال أربع سنوات المطاردة التي عاشها (المهندس) بكل ما تحمل من تحدي وخطورة لم تقف أجهزة الدولة الإسرائيلية عن البحث عنه في كل مكان ، فقاموا بتوزيع البيانات في شهر يوليو 1993 على أهالي نابلس يحذرونهم مساعدة (المهندس) ، إضافة إلى توزيع صوره ومواصفاته على جميع عناصر الجيش الإسرائيلي ، بينما صورة بوستر كبيرة بالألوان معلقة للمهندس في المكتب الرئيسي للشاباك ، عدا عن نشاط الوحدات المستعربة وأجهزة الرصد والمعلومات إضافة إلى تضيق الخناق على (المهندس) باعتقال كل من كانت له معهم علاقة ، وساعدوه حتى غدا وحيداً . وكانت أبرز محاولات اغتيال (المهندس) تلك التى وقعت في (دير بلوط) في 6 أغسطس 1993م حيث اصطدمت سيارته بحاجز عسكري أسفر عن استشهاد رفيقه (عزيز مرعي) واعتقال (محمد ريان) بينما تمكن (المهندس) من الفرار .
وفي حي القصبة بنابلس في 11 تموز 1994م تعرض منزل كان يأوي (المهندس) وإخوانه للقصف ، وبعد ساعات من الاشتباك استشهد (علي عاصي وبشار العامودي) اللذين غطيا انسحاب المهندس .
ولم يكن (المهندس) هو الحالة الوحيدة التي استهدفها رصاص الشاباك والموساد الإسرائيلي فقائمة الاغتيالات واسعة ، فقد ثم اغتيال ثلاثة عشر كادراً لمنظمة (أيلول الأسود) ، واغتيال ثلاثة من كبار قادة